آخر الأخبار

هل تتحول سوريا الى المانيا الشرق الاوسط ؟. ماهي خطة مارشال التي تقودها دول الخليج

 


لطالما كانت سُوريا منارةً للإبداعِ والمَهارةِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، بَلداً يَزخرُ بحِرَفيّيهِ وعُمّالهِ المُهَرةِ الذينَ حوّلوا مواردَ بسيطةً إلى إنجازاتٍ عَظيمةٍ. عبرَ التاريخِ، كانتْ سُوريا بالنِّسبةِ لجيرانها تُمثِّلُ مَصنعاً للطّاقاتِ البَشريةِ، تماماً كما كانتْ الدولة الألمانية بالنسبةِ لأوروبا، رمزاً للإنتاجِ والابتكارِ. هذا التميزُ السوريُّ ليسَ وليدَ اللحظةِ، بل هوَ امتدادٌ لإرثٍ حضاريٍّ يمتدُّ لآلافِ السنين، حيثُ تميّزَ السوريونَ بقدرتِهم على الابتكارِ والصمودِ حتى في أصعبِ الظروفِ.

تاريخيّاً، لم تكنْ سُوريا مجرّدَ أرضٍ، بل كانتْ مَصدرًا للكفاءاتِ التي تُسهمُ في بِنَاءِ المجتمعاتِ وصَنعِ التّحوّلاتِ الاقتصاديةِ. هذا الإرثُ يَظهرُ جلياً من خلالِ بصمةِ السُّوريينَ في الدُّولِ التي استقبلتْهُم كلاجئينَ أو مهاجرينَ. سواءٌ أكانوا يعملونَ في الزراعةِ أو الصناعةِ أو المهنِ الطبيةِ، استطاعوا أنْ يُثبتوا وجودَهم وأنْ يُساهموا في تطوّرِ المجتمعاتِ المُضيفةِ لهم. بفضلِ روحهم الرياديةِ ومهاراتهم العملية، برز السوريونَ كعناصرَ رئيسيةٍ في كثيرٍ من المشاريعِ والمبادراتِ التي غيرتْ وجهَ المجتمعاتِ المُضيفةِ.

دورُ السوريينَ في الخارج

السُّوريونَ في الخارجِ قدّموا نَموذجًا فَريدًا من نَوعهِ، إذْ استطاعوا بفضلِ مَهاراتهم وقُدرتهم على التّكيفِ تحقيقَ إنجازاتٍ مَلحوظةٍ في مُختلفِ المجالاتِ. في مِصرَ، لم يقتصرْ دَورُ السُّوريينَ على افتتاحِ المَطاعمِ والأسواقِ التي حملتْ عبقَ التقاليدِ السُّوريّةِ، بلْ تجاوزَ ذلكَ إلى إثراءِ الاقتصادِ المَحلّي بحِرَفيتهم العاليةِ في إنتاجِ المَنسوجاتِ والحِرفِ اليَدويّةِ. أصبحتِ الأسواقُ السُّوريّةُ وجهةً للمِصريينَ والسُّيّاحِ على حَدٍّ سواءٍ، مما ساهمَ في تعزيزِ الاقتصادِ وخلقِ فُرَصِ عملٍ جديدةٍ. هذا الاندماجُ كانَ دليلاً على قدرةِ السوريينَ على التفاعلِ مع البيئاتِ المختلفةِ واستغلالِ إمكانياتهم في دعمِ الاقتصاداتِ المحلّيةِ.

إلى جانبِ المَجالِ التجاريِّ، يُمكنُ ملاحظةَ المساهمةِ السُّوريةِ في مجالاتِ التّعليمِ والتدريبِ المِهنيِّ. كثيرٌ من السُّوريينَ افتتحوا مراكزَ لتعليمِ المِهنِ والحِرَفِ، ما ساعدَ في تَزويدِ أجيالٍ جديدةٍ بالمهاراتِ اللازمةِ لزيادةِ الإنتاجيةِ وتحقيقِ الاستدامةِ الاقتصاديةِ. هذه الجهودُ انعكستْ إيجابياً على جودةِ الحياةِ في المجتمعاتِ المُضيفةِ، حيثُ أضافَ السوريونَ لمساتٍ خاصةً إلى القطاعاتِ التعليميةِ والمهنيةِ.

في تُركيا، لعبَ السُّوريونَ دورًا مَحوريًا في الصّناعةِ، حيثُ باتوا جُزءًا لا غِنى عنهُ في العديدِ من المَصانعِ. إنَّ السُّوريينَ لم يقتصرُوا على العملِ التقليديِّ، بلْ انخرطوا أيضًا في تأسيسِ شركاتٍ صغيرةٍ ومتوسطةٍ تُسهمُ في تعزيزِ الاقتصادِ التّركي. هذا الدورُ المهمُّ دفعَ بعضَ الشّركاتِ التّركيةِ للتّفكيرِ في نَقلِ مَصانعها إلى سُوريا، خَوفًا من فَقدانِ هذهِ العَمالةِ المَاهرةِ. بالإضافة إلى ذلك، أسهمَ السوريونَ في تطويرِ قطاعاتٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ، مثلَ التكنولوجيا والصناعاتِ الزراعيةِ الحديثةِ.

وفي لُبنانَ، وهوَ البلدُ الأقربُ إلى سُوريا جُغرافياً وثقافياً، أظهرَ السُّوريين قُدرةً استثنائيّةً على الاندماجِ والمُساهمةِ. هناكَ، ساهموا في الزّراعةِ والبناءِ والتّصنيعِ على نِطاقٍ واسع. تلكَ المجالاتِ استفادتْ من الخبرةِ السُّوريّةِ، رغمَ التّحدياتِ العديدةِ التي تواجهُ اللاجئينَ في لُبنانَ. ورغمَ الظروفِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ الصعبةِ، تمكنَ السوريونَ من الإسهامِ في دعمِ الاقتصادِ اللبنانيِّ، وذلك من خلالِ العملِ الدؤوبِ في القطاعاتِ الحيويةِ والمشروعاتِ الصغيرةِ.

أمّا في ألمانيا، فقد أصبحَ السُّوريينَ مثالاً حيًّا على الاندماجِ النّاجحِ، حيثُ يعملُ آلافُ الأطباءِ السُّوريينَ في نِظامِ الرّعايةِ الصحيّةِ الألماني، مما يجعلُهم أكبرَ مجموعةٍ من الأطباءِ الأجانبِ في البلادِ. إلى جانبِ الطبِّ، انخرطَ السُّوريونَ في مَجالاتِ الهندسةِ والتعليمِ وريادةِ الأعمالِ، مما أضافَ قيمةً كبيرةً للاقتصادِ الألمانيِّ. هذا الحُضورُ البارزُ يُوضحُ مدى أهميةِ السُّوريينَ في سَدِّ الثّغراتِ في قطاعاتٍ حيويّةٍ مثل الصّحةِ والنّقلِ والصناعة. ولم يتوقفْ الأمرُ عند هذا الحد، بلْ توسعَ ليشملَ المساهمةَ في البحثِ العلميِّ والتكنولوجيا، حيثُ قدّمَ السوريونَ إسهاماتٍ بارزةً في مجالِ الابتكارِ والتطويرِ.

دروسٌ من خطةِ مارشال

لإعادةِ إعمارِ سوريا، يمكنُ أنْ تكونَ خطةُ مارشال الألمانية مصدرَ إلهامٍ كبيرٍ. هذهِ الخطةُ التي أطلقتْها الولاياتُ المتحدةُ عامَ 1948 كانت تهدفُ إلى إعادةِ بناءِ الدولِ الأوروبيةِ المُتضررةِ من الحربِ العالميةِ الثانيةِ. استفادتْ ألمانيا الغربية بشكلٍ كبيرٍ من هذهِ الخطةِ، حيثُ تمَّ ضخُّ حوالي 1.4 مليار دولار من المساعداتِ لإعادةِ بناءِ الاقتصادِ والبنيةِ التّحتيةِ.

كانَ لهذهِ الخطةِ أثرٌ كبيرٌ في إصلاحِ الطرقِ والجسورِ والمصانعِ المُدمّرةِ. الصناعاتُ الثقيلةُ مثل الصلبِ والسياراتِ شهدتْ انتعاشًا بفضلِ الاستثماراتِ الضخمةِ. كما أنَّ إصلاحَ العملةِ الألمانيةِ واستبدالها بـ"المارك الألماني" ساهمَ في تحقيقِ استقرارٍ اقتصاديٍّ شجّعَ الشركاتِ على الاستثمارِ. إلى جانبِ ذلك، تركّزتْ الخطةُ على تمكينِ السكانِ من خلالِ التعليمِ والتدريبِ المهنيِّ، مما خلقَ جيلاً من العمالةِ الماهرةِ القادرةِ على تحملِ مسؤوليةِ النهضةِ الاقتصاديةِ.

من أبرزِ الدروسِ المستفادةِ من خطةِ مارشال هوَ التّركيزُ على التعليمِ والتدريبِ المهنيِّ. هذا الجانبُ كانَ حجرَ الزّاويةِ في النّهوضِ بالقوى العاملةِ الألمانيةِ، مما يَعكسُ أهميةَ الاستثمارِ في الإنسانِ كعنصرٍ أساسيٍّ لأيِّ عمليةِ إعادةِ بناءٍ ناجحةٍ. كما أنَّ التعاونَ الدوليَّ الذي أسهمَ في تنفيذِ الخطةِ كانَ عاملاً حاسماً في تحقيقِ أهدافِها.

سوريا: الحاجةُ إلى خُطةٍ شاملةٍ

اليومَ، تحتاجُ سُوريا إلى خُطةٍ شبيهةٍ بخطةِ مارشال، إذْ تُشيرُ التّقاريرُ إلى أنَّ تكلفةَ إعادةِ الإعمارِ قدْ تَتجاوزُ 900 مليار دولار. الأضرارُ التي لحقتْ بالبنيةِ التّحتيةِ السُّوريةِ تشملُ قطاعاتٍ أساسيةً مثلَ الإسكانِ والكهرباءِ والمياهِ والنّقلِ. كما أنَّ الخسائرَ الاقتصاديةَ تشملُ فُرصاً ضائعةً في التّنميةِ. الحاجةُ إلى خطةٍ شاملةٍ ليستْ مجردَ مطلبٍ اقتصاديٍّ، بلْ ضرورةٌ اجتماعيةٌ وإنسانيةٌ لتضميدِ جراحِ الحربِ.

خُطةُ الإعمارِ السُّوريةِ يجبُ أنْ تُركزَ على:

  1. إعادة بناءِ البنيةِ التّحتيةِ: إصلاحُ الطرقِ، والجسورِ، وشبكاتِ الكهرباءِ والمياهِ، معَ التركيزِ على إدخالِ التكنولوجيا الحديثةِ.

  2. تشجيعُ التّعليمِ الفنيِّ والمِهنيِّ: تأسيسُ مراكزَ تدريبٍ لتأهيلِ الشّبابِ، بحيثُ تُصبحُ المهاراتُ العماليةُ مُتوافقةً معَ احتياجاتِ السوقِ العالميةِ.

  3. تحفيزُ الاستثماراتِ المحليّةِ والدّوليةِ: جذبُ الشركاتِ للاستثمارِ في قطاعاتِ الزّراعةِ والصّناعةِ، معَ تقديمِ تسهيلاتٍ ضريبيةٍ ومزايا تنافسيةٍ.

  4. إعادة توطينِ السّكانِ النّازحينِ: بناءُ مشاريعِ إسكانٍ واسعةٍ النطاقِ تُلبي احتياجاتِ جميعِ الفئاتِ.

  5. تعزيزُ التعاونِ الدوليِّ: الاستفادةُ من خبراتِ الدولِ الأخرى في إعادةِ الإعمارِ، معَ ضمانِ توفيرِ الدعمِ اللازمِ لتحقيقِ الأهدافِ المنشودةِ.

دورُ السوريينَ في المهجر

السُّوريونَ المُقيمونَ في الخارجِ يُمكنُ أنْ يلعبوا دورًا رئيسيًا في إعادةِ بناءِ وطنِهم. مَهاراتُهم وخبراتُهم في مجالاتِ الطّبِّ، والهندسةِ، والتعليمِ، والصّناعةِ تُعدُّ ركيزةً أساسيةً لأيِّ نَهضةٍ مُستقبليةٍ. يُمكنُ للسُّوريينَ في المَهجرِ أنْ يَكونوا جسرًا بينَ سُوريا والعالمِ، يُسهمونَ في نقلِ التكنولوجيا والمعرفةِ. إضافةً إلى ذلك، يمكنُ للجيلِ الثاني والثالثِ من المغتربينَ أنْ يُسهموا في تعزيزِ الروابطِ الثقافيةِ والاقتصاديةِ بينَ سُوريا والدولِ الأخرى.

النّهوضُ بسوريا

النّهوضُ بسُوريا يتطلّبُ تكاتفًا بينَ السُّوريينَ أنفُسِهمْ والمجتمعِ الدّوليِّ. ما حقّقهُ السُّوريينَ في الخارجِ دليلٌ على قُدرتهم على الابتكارِ، وإذا ما تمَّ تَسخيرُ هذهِ القُدراتِ داخلَ سوريا، يُمكنُ أنْ تتحوّلَ البلادُ إلى نموذجٍ مُلهمٍ للنّهضةِ ما بعدَ الحربِ. إنَّ الجهودَ المُشتركةَ والدّعمَ الدوليَّ يمكنُ أنْ يكونا عاملينِ حاسمينِ في تحويلِ التحدياتِ إلى فُرصٍ، وبناءِ مستقبلٍ يليقُ بتاريخِ سوريا العريقِ.


لا تنسى مشاهدة الفيديو في الأعلى لمعرفة المزيد من التفاصيل



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال