ثروات سوريا البحرية بين الأطماع الدولية وفرص الاستقلال الاقتصادي
هنا سوريا، حيث تتشابك الأحلام والطموحات والأمال على شواطيئ البحر الأبيض المتوسط، وحيث يتبدل اللاعبون في صراع الهيمنة على خيراتها وثرواتها البحرية. البحر الذي لطالما كان بوابة للأمل، قد يصبح ساحة لصراع جديد على الثروات والفرص.
تمتلك سوريا سواحل غنية بالموارد الطبيعية التي تشمل الغاز الطبيعي، النفط، والثروة السمكية، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية كبيرة. إلا أن هذه الثروات باتت محل استغلال ونفوذ من قبل قوى خارجية، أبرزها روسيا، التي سعت إلى احتكارها عبر اتفاقيات غير متكافئة مع الحكومة السورية الساقطة.
رغم غنى سوريا بثرواتها البحرية، إلا أن التدخل الروسي حوّل هذه الموارد إلى أدوات نفوذ واستغلال بدلاً من أن تكون مصدرًا لتنمية البلاد. وما لم يتم إعادة النظر في هذه الاتفاقيات الاحتكارية، ستبقى ثروات سوريا البحرية في قبضة القوى الخارجية، على حساب مستقبل الشعب السوري.
شاهد الفيديو الموجود في الأعلى لمعرفة كافة التفاصيل .
![]() |
هل تمتلك سوريا ثرواتها البحرية ؟. موانئ ونفط وغاز قادر ان يجعل سوريا من اغنى الدول |
الهيمنة الروسية على الثروات السورية
مع بداية الثورة السورية، وقعت الحكومة السورية السابقة اتفاقيات مع روسيا، منحت بموجبها الشركات الروسية، مثل شركة "سويوز نفت غاز"، حقوق التنقيب والإنتاج في المياه السورية. هذه الاتفاقيات تمتد لعقود طويلة وتمنح موسكو الهيمنة الكاملة على القطاع البحري النفطي والغازي، مع حصولها على الحصة الأكبر من العوائد.
تشير الدراسات الجيولوجية إلى وجود احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي قبالة السواحل السورية، في البحر المتوسط ضمن ما يُعرف بـ"المياه الاقتصادية السورية". ويُعتقد أن هذه الاحتياطات قد تُشكل أحد أكبر الاكتشافات في المنطقة، مما يجعلها مطمعًا للقوى الكبرى.
الأن أصبحت الرسالة واضحة: عهد جديد يلوح في الأفق، والوجود الروسي الذي استمر لعقود على السواحل السورية يواجه قرار الرحيل والطرد. وعبارة "بوتين خارج اللعبة"، يتردد صداها بين أروقة السلطة في دمشق، فيما تتوجه الأنظار إلى بدائل جديدة قد تعيد رسم خارطة الاستثمار في البلاد. مرفأ طرطوس وميناؤه الاستراتيجي يدخلان مرحلة تحول غير مسبوقة، حيث أُعيد النظر في الاتفاقيات التي أُبرمت خلال حقبة النفوذ الروسي.
![]() |
هل تمتلك سوريا ثرواتها البحرية ؟. موانئ ونفط وغاز قادر ان يجعل سوريا من اغنى الدول |
ميناء طرطوس وتحولاته الاقتصادية
ميناء طرطوس، ذلك الكنز البحري الذي ظل لعقود رهينة الهيمنة الأجنبية، يدخل اليوم مرحلة مفصلية. عقود طويلة بُنيت على حساب الشعب السوري، استثمارات ظاهرها التطوير وباطنها الاحتكار، والآن، الإدارة الجديدة تقلب الطاولة، معلنة انتهاء صلاحية الاتفاقات السابقة. فهل يكون هذا بداية لعهد شراكات دولية جديدة، أم أنه إعادة توزيع للأدوار بين قوى جديدة تطمح للسيطرة؟
السعودية. قطر. تركيا. وحتى أوكرانيا . جميعها تراقب المشهد عن كثب. الميناء الذي كان يوصف بأنه بوابة روسيا إلى الشرق الأوسط، قد يصبح مركزًا لاستثمارات ضخمة جديدة، وربما بداية لتحالفات اقتصادية مختلفة. فهل سنشهد إعادة إحياء لسوريا كقوة بحرية ذات سيادة، أم أن فصولًا جديدة من الصراع ستكتب بماء البحر والنفط؟
لم يكن الغاز السوري يومًا بعيدًا عن أطماع القوى الكبرى، فالمياه الإقليمية السورية تخفي ثروات هائلة من الغاز والنفط، وثرواتها المكتشفة ليست سوى جزء من الصورة الكبرى. عقود التنقيب التي وقعتها الشركات الروسية، وعلى رأسها "سيوز نفت جاز"، كانت تهدف للسيطرة طويلة الأمد على هذه الموارد، ولكن اليوم، المشهد يتغير. فالاحتياطات الضخمة من الفوسفات والغاز والنفط، التي استنزفت عبر اتفاقيات مجحفة، ربما تعود أخيرًا إلى قبضة السوريين، ولكن بأي ثمن؟
![]() |
هل تمتلك سوريا ثرواتها البحرية ؟. موانئ ونفط وغاز قادر ان يجعل سوريا من اغنى الدول |
الصيد البحري في ظل التواجد الروسي
إلى جانب النفط والغاز، تعد سوريا موطنًا لثروة سمكية غنية، حيث تعتمد المجتمعات الساحلية بشكل كبير على الصيد كمصدر للرزق. إلا أن وجود القواعد العسكرية الروسية على الساحل السوري، خاصة في ميناء طرطوس، أثر سلبًا على الصيادين المحليين. فقد أصبح النشاط العسكري الروسي مصدر تقييد لحركة الصيد، كما أُبلغ عن حالات صيد جائر باستخدام تقنيات متقدمة تساهم في استنزاف الثروة السمكية على حساب السكان المحليين.
قطاع الطاقة كان دائمًا محور الأطماع، فشركة "إيفرو بوليس" المرتبطة بمجموعة فاغنر الروسية وقّعت اتفاقيات حصلت بموجبها على 25% من الإنتاج النفطي مقابل تأمين الحقول، بينما حصلت شركات روسية أخرى على امتيازات في مناجم الفوسفات في تدمر، حيث يُقدَّر احتياطي سوريا من الفوسفات بنحو ملياري طن.
وتحت غطاء الدعم العسكري للنظام السوري المخلوع. ضمنت روسيا لنفسها موطئ قدم طويل الأمد في سوريا، مستغلة الثورة السورية لتوقيع اتفاقيات غير عادلة تمنحها السيطرة على الموارد البحرية. وعبر شركاتها النفطية والعسكرية، أصبحت موسكو المستفيد الأكبر من ثروات سوريا البحرية، بينما بقي الشعب السوري يعاني من تدهور الاقتصاد وشح الموارد.
ولكن بعد سقوط النظام القديم، أصبحت هذه الاتفاقيات تحت المجهر، وأصبح مستقبلها مرهونًا بالإدارة الجديدة التي تسعى لإعادة التفاوض أو حتى إلغائها.
![]() |
هل تمتلك سوريا ثرواتها البحرية ؟. موانئ ونفط وغاز قادر ان يجعل سوريا من اغنى الدول |
مستقبل الاستثمار في سوريا: من يسيطر على الموارد؟
لم يكن الأمر مقتصرًا على النفط والغاز، بل امتد إلى السيطرة على الموانئ السورية. في عام 2019، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليون دولار لتحديث ميناء طرطوس، ولكن هل كان هذا الاستثمار بهدف التطوير أم الهيمنة؟ الاتفاقيات الموقعة لم تكن سوى شكل من أشكال الاحتكار طويل الأمد، مستوحاة من تجارب دولية سابقة، مثل استعمار بريطانيا لقناة السويس.
الآن، ومع دخول سوريا مرحلة جديدة، تبرز تساؤلات حول مصير هذه الاستثمارات. هل ستدخل قطر أو السعودية أو تركيا أو حتى أوكرانيا على خط الاستحواذ، كما فعلت في مشاريع مينائية في الصومال والسودان وأوكرانيا؟
قطر، التي تدير ميناء حمد في الصومال، لديها خبرة واسعة في تطوير وإدارة الموانئ، وقد تكون من أبرز المتنافسين على مشروع تحديث ميناء طرطوس. كما أنها تمتلك شركات كبرى في قطاع الغاز المسال، مما يجعلها طرفًا محتملاً في تطوير الثروات البحرية السورية.
أما السعودية، فقد لعبت دورًا رئيسيًا في تطوير ميناء بورتسودان في السودان، وتسعى إلى توسيع نفوذها البحري عبر مشاريع استثمارية ضخمة مرتبطة برؤيتها 2030. دخولها إلى السوق السورية قد يكون جزءًا من خطة إقليمية أوسع لتعزيز حضورها في شرق المتوسط.
تركيا، التي تمتلك موانئ حيوية على البحر المتوسط، لا تخفي اهتمامها بأي تحولات في سوريا قد تمنحها موطئ قدم اقتصادي جديد. شركاتها البحرية الضخمة قد تكون ضمن المتقدمين بعروض لتشغيل الميناء، خصوصًا مع وجود علاقات تجارية تاريخية بين البلدين.
أما أوكرانيا، فإن دخولها المحتمل إلى قطاع الاستثمار السوري يأتي في سياق أوسع من التعاون الدولي، وقد يكون جزءًا من مساعيها لتعويض الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها بسبب الحرب. ميناء طرطوس قد يكون منصة مهمة لها لتوسيع تجارتها البحرية في المنطقة.
![]() |
هل تمتلك سوريا ثرواتها البحرية ؟. موانئ ونفط وغاز قادر ان يجعل سوريا من اغنى الدول |
هل هو تحرر اقتصادي أم تغيير في اللاعبين؟
انفتاح الخليج وتركيا وأوكرانيا على الإدارة السورية الجديدة يثير تكهنات عديدة. هل تكون هناك مشاريع مشتركة تعيد الميناء إلى الواجهة كمركز لوجستي إقليمي، أم أن مصالح جديدة ستحكم المرحلة المقبلة؟ لا أحد يعلم يقينًا، ولكن الأكيد أن سوريا تقف على أعتاب تغيير اقتصادي كبير.
ما هو رأيك؟ هل يكون الانسحاب الروسي بداية لتحرر اقتصادي سوري حقيقي، أم مجرد تغيير في الوجوه بينما تبقى اللعبة كما هي؟ شاركنا وجهة نظرك، فالفصل القادم من هذه القصة لم يُكتب بعد.
مواضيع ذات صلة :
#سوريا
التسميات
الوثائقية